|
كشف رئيس حركة النهضة الإسلامية الحاكمة راشد الغنوشي أن الحركة هي التي وافقت على تعيين شخصيات صديقة لها على رأس وزارات السيادة في حكومة علي لعريض، مؤكدا أن "المقود بأيدينا" و"لم نقدم سوى تنازلات شكلية" في مؤشر على أن النهضة نجحت في خداع المعارضة التي طالبت بتحييد وزارات الوزارات السيادية.
وطمأن الغنوشي، في شريط فيديو بثته الحركة على موقعها الرسمي، كوادر النهضة بأنه "لا يوجد لنا أعداء في الوزارات لأن كل الوزراء تم اختيارهم بالتوافق ولا يوجد وزير لم نوافق عليه نحن وحلفاؤنا"، ملاحظا "إذا خرجنا من وزارة فلا يعني ذلك أنه حل محلنا عدو، لا يوجد لنا عدو في الوزارات كلهم أصدقاؤنا".
وهذه أول مرة يتحدث فيها الرجل الذي يوصف بأنه "الحاكم الفعلي لتونس" عن الدور السياسي الخفي للنهضة في تشكيل حكومة لعريض التي واجهت صعوبات بسبب ضغط قوي مارسته المعارضة العلمانية من أجل تحييد وزارات السيادة وتعيين كفاءات وخبرات وطنية على رأس وزارات حساسة مثل وزارة التشغيل ووزارة المرأة ووزارة الاقتصاد.
ويقول مراقبون إن تصريحات الغنوشي تعد إحراجا قويا للحزبين العلمانيين الحليفين لحركة النهضة، حزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذي يتزعمه الرئيس المؤقت منصف المرزوقي، وحزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات الذي يتزعمه رئيس المجلس التأسيسي مصطفي بن جعفر.
ودأب الحزبان في كل مرة على الاكتفاء بتبرير تنازلاتهما لحزب النهضة، سواء عند تشكيلة الحكومة أو في ما يتعلق بالقضايا السياسية والقانونية الخلافية في مجتمع يخشى من أن تمس نزعة النهضة للهيمنة، بمكتسباته الحداثية، وذلك لأسباب يقول محللون إنها تتعلق بحسابات المرزوقي وبن جعفر لانتخابات الرئاسة المقبلة.
ويعتقد كثير من التونسيين أن الحزبين بإمكانهما، وبقليل من الجرأة وبخيار مبدئي واضح، ممارسة ضغوط قوية على الحزب الحاكم ودفعه لتقديم تنازلات كثيرة بل وحتى تحجيم دوره السياسي القوى.
وقال الغنوشي "إن تنازلنا كان شكليا، تنازلنا عن بعض المواقع، أي الوزارات، ولكن المهم أن مقود البلاد بأيدينا، مقود البلاد في يد شخص (علي لعريض) تربى في قرية لا يسمع بها أحد والمهم أن الحركة لا تزال تمسك المقود".
وفي تحليله لحديث الغنوشي يقول الإعلامي زياد كريشان إن هذا التصريح يمكن قراءته من خلال زاويتين:
الأولى أن الغنوشي يريد أن يدخل شيئا من الطمأنينة على شباب حركته ليقول لهم لا تنزعجوا نحن ثابتون في مواقعنا وأن تنازلاتنا لا تعدو أن تكون شكلية فلا تخافوا على مصير الحركة.
والثانية أن الغنوشي يريد أن يرسل رسالة مفادها "إننا نتراجع قليلا لا إرضاء لحلفائنا بل للمحافظة على الأهم وهي السلطة الفعلية في البلاد ثم نحن في الحقيقة لم نتنازل على شيء يذكر إذ لم نضع في وزارات السيادة سوى أناس نثق بهم ونرضى عنهم".
وتؤكد تصريحات الغنوشي أن النهضة هي التي "هندست" تشكيل حكومة لعريض ولم تصغ لا إلى حليفيها ولا إلى المعارضة، التي طالبت بتشكيل حكومة تحظى بثقة التونسيين بعيدا عن المحاصصة الحزبية التي زجت بالبلاد في أزمة سياسية أدت إلى استقالة رئيس الحكومة السابق والأمين العام للنهضة حمادي الجبالي.
وطالب رئيس حركة النهضة أنصاره بـ"عدم الاهتمام بالدستور وبالتنصيص على الشريعة كمصدر أساسي للتشريع لأن الدستور مسألة شكلية"، مشددا على أن "الأهم مما هو موجود في النصوص، هو ماهو موجود في النفوس وفي العقول".
ودعا الغنوشي هؤلاء الأنصار إلى "الاهتمام بما هو موجود في النفوس"، في تأكيد واضح على أنه يراهن على "المسكوت عنه" داخل كوادر حركته التي تخشى في حال الإفصاح عنه أن ينقلب عليها المجتمع التونسي بأسره.
والمسكوت عنه بالنسبة للنهضة، شأنها شأن حركات الإسلام السياسي، هو بناء دولة الخلافة التي تطبق الشريعة وأسلمة مجتمع ترى أنه علماني الأسس والقيم والثقافة.
ويقول خصوم حركة النهضة إن تصريحات الغنوشي هذه التي تكتمت عنها الحركة، "قطعت" شعرة معاوية التي كانت تشدها ببعض قطاعات المجتمع، لأنها كشفت أن الغنوشي خدع التونسيين لما أعلن قبل تشكيل حكومة لعريض أن الحركة لا تريد احتكار الحياة السياسية، وأنها تعمل من أجل تشكيل حكومة ائتلافية تجمع شخصيات سياسية وكفاءات من التكنوقراط لا علاقة لهم بالنهضة.
اقرأ أيضا:
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire